بسم الله الرحمن الرحيم ـــــــــــــــ
من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في التوبة
عن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال : (لا شفيع أنجح من التوبة).
* عن كميل بن زياد قال : قلت لأمير المؤمنين - عليه السلام - : يا أمير المؤمنين!.. العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار؟.
قال يا بن زياد : التوبة..
قلت : بس؟.. قال : لا..
قلت : فكيف؟.. قال : إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول : استغفر الله بالتحريك..
قلت : وما التحريك؟.. قال : الشفتان واللسان يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة..
قلت : وما الحقيقة؟.. قال : تصديق في القلب، وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه..
قال كميل : فإذا فعل ذلك فإنه من المستغفرين؟.. قال : لا.. قال كميل : فكيف ذاك؟..
قال : لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد.. قال كميل : فأصل الاستغفار ما هو؟..
قال : الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه وهي أول درجة العابدين، وترك الذنب..
والاستغفار اسم واقع لمعانٍ ست : أولها : الندم على ما مضى.. والثاني : العزم على ترك العود أبدا.
والثالث : أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم.. والرابع : أن تؤدي حق الله في كل فرض..
والخامس : أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام، حتى يرجع الجلد إلى عظمه، ثم تنشئ فيما بينهما لحماً جديداً..
والسادس : أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي.
* عن أبي رفعه قال : إن أمير المؤمنين - عليه السلام - صعد المنبر بالكوفة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :
أيها الناس!.. إن الذنوب ثلاثة، ثم أمسك، فقال له حبة العرني : يا أمير المؤمنين فسرها لي؟..
فقال : ما ذكرتها إلا وأنا أريد أن أفسرها، ولكنه عرض لي بهر حال بيني وبين الكلام،
نعم الذنوب ثلاثة : فذنب مغفور، وذنب غير مغفور، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه..
قيل : يا أمير المؤمنين فبينها لنا!..
قال : نعم، أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله تعالى - على ذنبه في الدنيا، فالله أحكم وأكرم أن يعاقب عبده مرتين..
وأما الذنب الذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم لبعض،
إن الله - تبارك وتعالى - إذا برز لخلقه أقسم قسماً على نفسه فقال : وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف،
ولو مسحة بكف، ونطحة ما بين الشاة القرناء إلى الشاة الجماء،
فيقتص الله للعباد بعضهم من بعض، حتى لا يبقى لأحد عند أحد مظلمة، ثم يبعثهم الله إلى الحساب..
وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده ورزقه التوبة،
فأصبح خاشعاً من ذنبه راجيا لربه، فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة ونخاف عليه العقاب.
* قال أمير المؤمنين - عليه السلام - لقائل بحضرته : أستغفر الله - : ثكلتك أمك!.. أتدري ما الاستغفار؟..
إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان، أولها : الندم على ما مضى.. والثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا..
والثالث : أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم، حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة..
والرابع : أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها..
والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان، حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد..
والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.. فعند ذلك تقول : أستغفر الله.
* وقال - عليه السلام - من أعطي أربعاً لم يحرم أربعاً :
من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول،
ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة..
وتصديق ذلك في كتاب الله سبحانه :
قال الله - عزوجل - في الدعاء : (ادعوني أستجب لكم)
وقال في الاستغفار : (ومن يعمل سوء اً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً)
وقال في الشكر : (ولإن شكرتم لأزيدنكم)
وقال في التوبة : (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما).
* وسئل عليه السلام عن الخير ما هو؟..
فقال : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك،
ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله،
وإن أسأت استغفرت الله.. ولا خير في الدنيا إلا لرجلين : رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في الخيرات.
ولا يقل عمل مع التقوى وكيف يقل ما يتقبل؟!..